محوري المرأة والظاهر والباطن في نص طقوس الإشارات والتحولات لسعد الله ونوس - 1994





نظرا لكسر ونوس للقواعد الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالمجتمع العربي فشعر بحاجة إلى التمرد عن طريق الكتابة المسرحية والتي حقق بها نجاح كبير وشهرة بعد وفاته عام 1997. اتخذ نص طقوس الإشارات والتحولات بعُد آخر وشكل مختلف غير معتاد في التعبير عن حالة معينة من المسرح والمجتمع والعمل على إظهار التناقضات والثنائيات وخلخلة المجتمع، وهي مسرحية قامت بنقد شديد للعادات والتقاليد السائدة في العالم العربي.


عُرضت مسرحية طقوس الإشارات والتحولات في القاهرة وباريس وبيروت، وفي شهر ديسمبر 2013 تم عرضها على مسرح الجامعة الأمريكية في بيروت بعد ترجمتها إلى الإنجليزية، وكانت أول نص عربي يتم ترجمته إلى اللغة الفرنسية وقدمته فرقة فرنسية -كوميديا فرانسيز- على مسرح جيمناز في مارسيليا بين التاسع والعشرين من إبريل والسابع من مايو، وأخيرا في القاهرة على مسرح الجمهورية في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من أغسطس 2019.

رغم ان المسرحية تندرج تحت التاريخ التراثي إلا إنها لم تقدم عمل عن دمشق أو أحداث تاريخية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكنها تكشف لنا عن دواخل الإنسان وأهوائه وتتحدث عن قضية الظاهر والباطن بالإضافة إلى تعرية لبنية المجتمع والسلطات المتحكمة فيه.

نجد في النص أن ونوس قد قام بإستبدال فصول المسرحية بالأجزاء وتكونت المسرحية من جزئين، الجزء الأول سمي بالمكائد لأنه يحتوي على مكيدة المفتي مع نقيب الأشراف ومؤمنة واستبدال الغانية بمؤمنة، أي مكيدة للقبض على عبدالله، والمؤمنة التي موجودة بالسجن مع عبدالله والتي أمسك بها عزت وهما يزنوا وتم فضحهما في المدينة، فعمل المفتي تلك المكيدة لكي يخرج عبدالله من تلك القضية. أما الجزء الثاني أطلق عليه المصائر لأن فيه يتحول كل شخصية من الشخصيات الموجودة في المسرحية، وإن كان هذا التحول قد حدث بوعي وإرادة أو تحول بوعي قهري.

شخصية الغانية على مسرح الجمهورية بالقاهرة


توحي كلمة طقوس بالاعتياد والتحولات على مستوى نفسي وتظهر الإنسانية وعلاقتها بالجسد ولكن تعدي ونوس الجسد ليصل إلى الإنسانية الكاملة فيتعامل مع الإنسان  وليس الجسد، فتوجد لنا التناقضات والتحولات بشكل صريح في الشخصيات الموجودة بالمسرحية ومنها شخصية "مؤمنة" الأكثر إثارة وتميز في النص.
ففي بداية المسرحية رفضت أن تحل محل الغانية ورفضت أن تتجمل وترتدي مثلها وتتشبه بها، ولكنها بعد ذلك وافقت ولكن بشرط أن يتم طلاقها من زوجها وسنحت لها الفرصة لكي يحدث ذلك، فهي لا تريد أن يملكها أحد وأرادت أن تتمرد على أول قيد يكبلها، ونرى في باطن شخصيتها إعجابها للغانيات والحرية التي يتمتعون بها وظهر ذلك وهي تحكي في زفافها أنها كانت تتمنى خلع ملابسها التي تقيدها وأن تصبح حرة مثل الراقصة التي أحيت الحفل، وبدأ التحول لديها عندما بدأت مؤمنة بالرقص في السجن، ومن ثم تحررت مؤمنة من الزواج وقد أصبحت حرة وتحولت إلى غانية اسمها "الماسة".
فهي تمثل رمز الثورة على المؤسسة الأبوية "Patriarchy" والعادات والأفكار والنظم القديمة، فشخصية مؤمنة نموذج لذكاء المرأة وظهر ذلك من خلال حوارها مع المفتي عندما تحدثت معه عن "الف ليلة وليلة"، فهنا رمز لانتصار النموذج الأنثوي على الذكوري وانها أقوى من كل الرجال، فهي شخصية مثقفة وقارئة والتحول الذي حدث لها ليس تحول جذري ومفاجئ وليس حتى تحول متحرر فحسب، وإنما كانت دائما في صراع مع المجتمع وإجبار العادات والتقاليد لها، فقامت شخصيتها بإظهار الفساد الموجود في المجتمع دون قصد بل لم تقصد تغيير المجتمع بأكمله، فهي لديها حس تمردي على عكس النساء في ذلك الوقت.